
شكلت الزيادة السكانية أبرز التحديات التي تواجه جهود التنمية المستدامة في مصر، لما لها من تأثير مباشر على الخدمات العامة والموارد الاقتصادية.
في ظل هذا الواقع، أدركت الدولة المصرية أهمية الانتقال من مرحلة التوعية فقط إلى مرحلة التأثير الفعلي على السلوك المجتمعي من خلال تبني استراتيجية شاملة تتكامل فيها الجهود الإعلامية والتشريعية والتنموية.
نستعرض في هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الخطوات التي اتخذتها الدولة في هذا الإطار، وكيف نجحت في تحويل قضية الزيادة السكانية من مجرد خطاب توعوي إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.
من التوعية إلى التأثير.. كيف نجحت الدولة في خفض معدلات الزيادة السكانية؟
كشفت وزارة الصحة والسكان عن تسجيل أقل معدل للنمو السكاني في مصر خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بالفترة نفسها من عامي 2024 و2023 في استمرار انخفاض معدلات الزيادة السكانية على مستوى الجمهورية.
يُعد هذا التراجع إنجازًا بارزًا يعكس نجاح الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التوازن بين النمو السكاني ومتطلبات التنمية المستدامة.
107.2 مليون نسمة عدد السكان في أول يناير 2025
أظهرت البيانات أن عدد السكان بلغ 104.4 مليون نسمة في أول يناير 2023، وارتفع إلى 107.2 مليون نسمة في أول يناير 2025، مما يشير إلى أن متوسط معدل النمو السنوي خلال تلك الفترة بلغ نحو 1.34%، مقارنة بمعدل 1.4% في عام 2024 و1.6% في عام 2023، ما يعكس اتجاهًا إيجابيًا في تراجع معدلات النمو السكاني، كنتيجة مباشرة للسياسات السكانية التي تنفذها الدولة.
وأوضحت الوزارة، أن هذا الانخفاض في معدل النمو السكاني يتزامن مع تحسن ملحوظ في المؤشرات الاقتصادية، حيث سجل معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2025 نسبة 3.5%، مقارنة بـ 2.7% خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
يعكس هذا التحسن دعمًا واضحًا لتوجه الدولة نحو تحقيق الاستقرار السكاني والاقتصادي على المدى الطويل.
تحسن في الخصائص السكانية
أكدت الوزارة، أن التراجع في معدلات الزيادة السكانية تزامن مع تحسن واضح في الخصائص السكانية، شمل زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل والتعليم، إلى جانب تحسن ملموس في عدد من المؤشرات السكانية المهمة.
من أبرز هذه التحسينات، انخفاض معدلات الاحتياجات غير المُلباة، نتيجة لرفع نسبة التغطية الشاملة بالأطباء في مراكز الرعاية الصحية الأولية وتنمية الأسرة بمختلف المحافظات، حيث وصلت نسبة التغطية إلى 80% بعد أن كانت تشهد عجزًا حادًا تجاوز 60%.
كما تم تعزيز خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة من خلال توفير وسائل مجانية في جميع منافذ تقديم الخدمة، سواء الحكومية أو الجامعية أو التابعة للقطاع الخاص.
اقرأ أيضاً.. هل ستزيد أسعار الخبز بعد رفع أسعار المحروقات؟.. الحكومة توضح
أشارت الوزارة إلى دعمها لاستخدام وسائل الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة فور الولادة مباشرة داخل المستشفيات، حيث وصلت نسبة تطبيق هذا الإجراء إلى 80%.
يأتي ذلك ضمن استراتيجية ترتكز على تعزيز استخدام الوسائل طويلة المدى، بما يساعد الأسر على اتخاذ قرارات مدروسة وصحيحة مبنية على الأدلة، سواء فيما يتعلق بالإنجاب أو بمختلف مناحي الحياة الأخرى.
المشورة الأسرية
أشارت الوزارة إلى تحقيق تغطية بلغت 70% بمراكز المشورة الأسرية مع توفير كوادر مؤهلة من مقدمي المشورة تشمل أطباء وصيادلة وأطباء أسنان مدربين، يقدمون دعماً نفسياً وصحياً ومعلوماتياً شاملاً للأمهات والأسر.
تشمل خدمات المشورة مختلف المراحل، بدءاً من ما قبل الزواج، مروراً بالاستعداد للحمل ورعاية فترة الحمل، ودعم الولادة الطبيعية الآمنة، وصولاً إلى رعاية حقوق الطفل في التربية السليمة خلال أول عامين من حياته.
تهدف هذه الجهود إلى توفير رعاية متكاملة خلال الألف يوم الأولى من عمر الطفل، وامتداداً إلى الألف يوم التالية، بما يضمن اجتياز مرحلة الطفولة المبكرة بنجاح.
اجتياز مرحلة الطفولة المبكرة عامل أساسي لنمو ذهني سليم للأطفال
وأوضحت الوزارة، أن النجاح في اجتياز مرحلة الطفولة المبكرة يُعد عاملًا أساسيًا في تحقيق صحة جيدة ونمو ذهني سليم للأطفال، وهو ما يُمثل أبرز إنجازات التنمية البشرية الحقيقية.
أشارت إلى أن رئيس الجمهورية والقيادة السياسية يولون اهتمامًا بالغًا بهذا الملف، مما أسفر عن إطلاق المبادرة الرئاسية “بداية” للتنمية البشرية.
تستند هذه المبادرة إلى سياسات فعالة في مجال الصحة الإنجابية مع التركيز على تحسين الخصائص السكانية، بما يسهم في تحقيق التوازن السكاني “كيفا”، ويُعزز من فرص مصر في إحراز تقدم ملموس في ملف النمو الاقتصادي الذي تسعى الدولة جاهدة لتحقيقه.
بورسعيد تتصدر المحافظات الأقل نمواً بمعدل النمو السكاني
أظهرت بيانات الساعة السكانية عن انخفاض ملحوظ في معدلات النمو السكاني بعدد من المحافظات خلال الفترة من يناير 2023 حتى أبريل 2025، حيث جاءت محافظة بورسعيد في صدارة المحافظات الأقل نمواً بمعدل بلغ 0.61%، ما يجعلها أول محافظة على مستوى الجمهورية تقترب من تحقيق شبه استقرار سكاني.
يُعزى هذا الإنجاز إلى التأثير الإيجابي لمبادرة “الألف يوم الذهبية” التي نُفذت بنجاح داخل المحافظة، بالإضافة إلى جهود رفع الوعي المجتمعي وتوسيع نطاق خدمات الصحة الإنجابية.
كما سجلت محافظة القاهرة معدل نمو بلغ 0.86% خلال نفس الفترة، مما يعكس استمرار تطبيق السياسات المنظمة للنمو السكاني في المناطق الحضرية مع التوسع في برامج تنظيم الأسرة وتكثيف حملات التوعية.
لا تزال محافظات الوجه القبلي تسجل أعلى معدلات للنمو السكاني، إلا أن البيانات تشير إلى تحسن نسبي في بعض المحافظات، مثل محافظة سوهاج التي سجلت معدل نمو بلغ 1.97%، وهو ما يمثل تراجعًا، مقارنة بالسنوات السابقة التي كانت تتجاوز فيها معدلات النمو السكاني 2.2%.
تقدم ملحوظ في السياسات السكانية نفذها الدولة
أرجعت الوزارة هذا التقدم الملحوظ إلى السياسات السكانية الطموحة التي تنفذها الدولة تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي مقدمتها المبادرة الرئاسية “الألف يوم الذهبية” التي تستهدف تعزيز صحة الأم والطفل خلال المراحل الحرجة الأولى من حياة الطفل.
تُعد هذه المبادرة من أنجح التدخلات في مجال تحسين الخصائص السكانية، لما لها من أثر مباشر على جودة الحياة والنمو الصحي السليم للأجيال المقبلة.
جهود المبادرة الرئاسية “الألف يوم الذهبية” منذ انطلاقها في أغسطس 2023 حتى الآن
حققت المبادرة
– انخفاض في معدلات الحمل غير المخطط له.
– زيادة الاعتماد على الصحة الإنجابية.
– تحسن مؤشرات الرضاعة الطبيعية والولادة الآمنة.
خدمات المبادرة
– المشورة الأسرية المتكاملة حول الإنجاب.
– تطوير الحضانات لتقليل وفيات حديثي الولادة.
– دعم الولادة الطبيعية للحد من الولادات القيصرية غير الضرورية.
مراحل تنفيذ المبادرة
* المرحلة الأولى
شملت 10 محافظات “الإسكندرية – مطروح – سوهاج – أسيوط – قنا – البحيرة – الشرقية – البحر الأحمر – بورسعيد – الأقصر).
* المرحلة الثانية من أبريل 2024 إلى ديسمبر 2025
تهدف إلى تعميم المبادرة في جميع المحافظات لضمان وصول الخدمات إلى نطاق أوسع من المستفيدين.
يعد البرنامج القومي لتنمية الأسرة المصرية والاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية اللتان تعززان قدرة الأسر على اتخاذ قرارات إنجابية مستنيرة مع توفير حزمة متكاملة من الخدمات الصحية والتعليمية والتوعوية.
تساؤلات حول تراجع معدل النمو السكاني
أشارت الوزارة إلى أن هناك تساؤلات حول ما إذا كان التراجع الحالي في معدل النمو السكاني جاء نتيجة تحول ثقافي مستقر، أم أنه تأثير ظرفي ناتج عن الظروف الاقتصادية، يفتقد إلى الدقة العلمية.
أكدت الوزارة، أن التراجع الحالي في معدل النمو السكاني، جاء نتيجة لتحول ثقافي مستقر، وليس تأثير ظرفي ناتج عن ظروف اقتصادية، مشددة على رصد تحسن نسبي في وعي المواطنين بقضية الزيادة السكانية.
حدد الوزارة عوامل ساهمت في تحسن وعي المواطن لقضية الزيادة السكانية
1- البرامج السكانية المدروسة التي تطبق منذ أعوام.
2- المبادرة الرئاسية “الألف يوم الذهبية” لتنمية الأسرة المصرية.
3- التطبيق الحقيقي للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية.
4- الحملات الإعلامية الرسمية.
5- برامج تنظيم الأسرة.
6- الحوكمة والمراقبة لملف السكان من خلال المجلس القومي للسكان.
من المقرر إطلاق خلال شهر أبريل 2025 حملة إعلامية لمناهضة زواج الأطفال وتلك الظاهرة التي تم رصدها خلال دراسة واقع القضية السكانية في صعيد وريف مصر.
كما تطلق الوزارة أيضاً البرنامج القومي للوقاية من التقزم وسوء التغذية بالتعاون مع جميع الوزارات المعنية، تحت مظلة المبادرات الرئاسية “بداية” و”الألف يوم الذهبية” والخطة العاجلة للسكان والتنمية، تتويجاً لجهود الدولة في النهوض بالخصائص السكانية وليس فقط تخفيض عدد المواليد.